الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
الخ وأعطاه بردة في ثواب مدحه فاشتراها معاوية من ورثته بعد موته وصار الخلفاء يتوارثونها شعارا.ووفد في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بنو أسد فأسلموا وكان منهم ضرار بن الأزور وقالوا: قدمنا يا رسول الله قبل أن يرسل إلينا فنزلت {يمنون عليك أن أسلموا} ووفد فيها وفدتين في شهر ربيع الأول ونزلوا على رويفع بن ثابت البلوي وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف في ذي الحجة إلى شهر رجب من السنة التاسعة.ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم: وكان في غزواته كثيرا ما يوري بغير الجهة التي يقصدها على طريقة الحرب إلا ما كان من هذه الغزاة لعسرها بشدة الحرب وبعد البلاد وفصل الفواكه وقلة الظلال وكثرة العدو أمير المؤمنين الذين يصدون وتجهز الناس على ما في أنفسهم من استثقال ذلك وطفق المنافقون يثبطونهم عن الغزو وكان نفر منهم يجتمعون في بيت بعض اليهود فأمر طلحة بن عبيد الله أن يخرب عليهم البيت فخربها واستأذن ابن قيس من بني سلمة في القعود فأذن له وأعرض عنه وتدرب كثير من المسلمين بالإنفاق والحملان وكان من أعظمهم في ذلك عثمان بن عفان يقال إنه أنفق فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهز ركابا وجاء بعض المسلمين يستحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد ما يحملهم عليه فنزلوا باكين لذلك وحمل بعضهم يامين بن عمير النضري وهما أبو ليلى بن كعب من بني مازن بن النجار وعبد الله بن المغفل المزني واعتذر المخلفون من الأعراب فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم نهض وخلف على المدينة محمد بن مسلمة وقيل بل سباع بن عرفطة وقيل بل علي ابن أبي طالب وخرج معه عبد الله بن أبي بن سلول في عدد وعدة فلما سار صلى الله عليه وسلم تخلف هو فيمن تخلف من المنافقين ومر صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فأمر أن لا يستعمل ماؤها ويعلف ما عجن منه للإبل وأذن لهم في بئر الناقة وأمر أن لا يدخلوا عليهم بيوتهم إلا باكين ونهى أن يخرج أحد منفردا عن صاحبه فخرج رجلان من بني ساعدة خنق أحدهما فمسح عليه فشفي والآخر رمته الريح في جبل طي فردوه بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضل صلى الله عليه وسلم ناقته في بعض الطريق فقال أحد المنافقين محمد يدعي علم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله لا أعلم إلا ما علمني الله وأن الناقة بموضع كذا وكان قد أوحى إليها بها فوجدوها ثم وكان قائل هذا القول زيد بن اللصيت من بني قينقاع وقيل إنه تاب بعد ذلك وفضح الوحي قوما من المنافقين كانوا يخذلون الناس ويهولون عليهم أمر الروم فتاب منهم مخشى بن جهير ودعا أن يكفر عنه بشهادة يخفي مكانه فقتل يوم اليمامة.ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحينة بن رؤبة صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح فصالحوا على الجزية وكتب لكل كتابا وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل من كندة كان ملكا عليها وكان نصرانيا وأخبر أنه يجده يصيد البقر واتفق أن بقر الوحش باتت تهد القصر بقرونها فنشط أكيدر لصيدها وخرج ليلا فوافق وصوله خالدا فأخذه وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنه وصالحه على الجزية ورده وأقام بتبوك عشرين ليلة ثم انصرف وكان في طريقه ماء قليل نهى أن يسبق إليه أحد فسبق رجلان واستنفدا ما فيه فنكر عليهما ذلك ثم وضع يده تحت وشله فصب ما شاء الله أن يصب ونضح به الوشل ودعا فجاش الماء حتى كفى العسكر.ولما قرب المدينة بساعة من نهار أنفذ مالك بن الدخشم من بني سالم ومعن بن عدي من بني العجلان إلى مسجد الضرار فأحرقاه وهدماه وقد كان جماعة من المنافقين بنوه وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فسألوه الصلاة فيه فقال: أنا على سفر ولو قدمنا أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما رجع أمر بهدمه.وفي هذه الغزاة تخلف كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية بن واقف وكانوا صالحين فنهى صلى الله عليه وسلم عن كلامهم خمسين يوما ثم نزلت توبتهم وكان المتخلفون من غير عذر نيفا وثلاثين رجلا وكان وصوله صلى الله عليه وسلم من تبوك في رمضان سنة تسع وفيه كانت وفادة ثقيف وإسلامهم ونزل الكثير من سورة براءة في شأن المنافقين وما قالوه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم.
|